سورة النحل - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}
يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
ثم أخبر أن الأصنام التي يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون، كما قال الخليل: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95، 96].
وقوله: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} أي: هي جمادات لا أرواح فيها فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل.
{وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي: لا يدرون متى تكون الساعة، فكيف يرتجى عند هذه نفع أو ثواب أو جزاء؟ إنما يرتجى ذلك من الذي يعلم كل شيء، وهو خالق كل شيء.


{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد، وأخبر أن الكافرين تُنكر قلوبهم ذلك، كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، وقال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45].
وقوله: {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} أي: عن عبادة الله مع إنكار قلوبهم لتوحيده، كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]؛ ولهذا قال هاهنا: {لا جَرَمَ} أي: حقًا {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} أي: وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء، {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
يقول تعالى: وإذا قيل لهؤلاء المكذبين: {مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ قَالُوا} معرضين عن الجواب: {أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أي: لم ينزل شيئًا، إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين، أي: مأخوذ من كتب المتقدمين، كما قال تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الفرقان: 5] أي: يفترون على الرسول، ويقولون فيه أقوالا مختلفة متضادة، كلها باطلة كما قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} [الفرقان: 9]، وذلك أن كل من خرج عن الحق فمهما قال أخطأ، وكانوا يقولون: ساحر، وشاعر، وكاهن، ومجنون. ثم استقر أمرهم إلى ما اختلقه لهم شيخهم الوحيد المسمى بالوليد بن المغيرة المخزومي، لما {فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: 18- 24] أي: ينقل ويحكى، فتفرقوا عن قوله ورأيه، قبحهم الله.
قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك فيتحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم، أي: يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم، كما جاء في الحديث: «من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا».
وقال الله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13].
وهكذا روى العوفي عن ابن عباس في قوله: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} إنها كقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13].
وقال مجاهد: يحملون أثقالهم: ذنوبهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئًا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8